قصر الكتب

قصر الكتب

  • 167
  • 2023/03/16 12:46:21 ص
  • 0

 علاء المفرجي

من الكتب التي تتناول عالم الكتب كتاب (قصر الكتب) الصادر عن دار المدى بترجمة زياد خاشوق ومراجعة زياد عبدالله الذي يدعونا فيه غرينييه لاستكشاف مجال الأدب وآفاقه الكاسحة وفترات الاستراحة الخفية. عند الانخراط في أسئلة أساسية مثل لماذا يشعر الناس بالحاجة إلى الكتابة؟، أو ما الذي ينطوي عليه وضع المرء لنفسه على الصفحة،

أو كيف يعرف الكاتب أنه كتب جملته الأخيرة، ينظم غرينييه مقاطع مناسبة من كتابه المفضلين: تشيخوف، بودلير، بروست، وجويس، وكافكا، ومانسفيلد وغيرهم الكثير. هؤلاء الكتاب يختلطون بشكل رحب مع حكايات من نصف قرن لغرينييه كمحرر وصديق لعدد لا يحصى من الشخصيات الأسطورية، بما في ذلك ألبير كامو ورومان جاري وميلان كونديرا وبراساي.

يقدم غرينييه هنا سلسلة من الملاحظات والاقتباسات التي تبدو عفوية مثل المحادثة الجيدة، لكنها تحمل رؤى دائمة عن حياة القراءة والتفكير. قصر الكتب غني بالملذات والمفاجآت، والمرافقة المثالية للمفضلات الأدبية القديمة، والمقدمة المثالية لأخرى جديدة.

يقول المترجم في مقدمة هذا الكتاب: يمكن للمرء أن يقرأ كتاباً، أو مجموعة كتب، أو أن يرث مكتبة من أحد أصدقائه فيقرأ محتوياتها. أمّا أن يقرأ دار نشر بأكملها ومعها البعض من منشورات دور أخرى، فهذا لا يستقيم إلاّ لمن عاش لما يقارب قرناً كاملاً أمضى أكثر من نصفه في إدارة واحدة من أضخم دور النشر في العالم، دار غاليمار.

فالكتاب حصيلة قراءات طويلة ومتنوّعة قام بها الكاتب، وجمع من خلالها العديد من الملاحظات والاقتباسات مما قرأ. يتكوّن الكتاب من مجموعة مقالات نُشر بعضها بشكل مستقل وعلى مدى سنوات. لذا يمكن قراءته على مراحل، كل مقالة على حدة.

ويرى أن أسلوب الكتاب مركّز بشكل كبير إذ يمكن القارئ أن يجد مثلاً فقرة من أربعة أسطر ونصف تحكي عن ثلاثة مؤلِّفين أو أربعة كتب. بالطبع نتج هذا التركيز عن كمّ المعلومات الهائل الَّذي أورده الكاتب في عدد قليل جدّاً من الصفحات. كما أنّ هناك العديد من الأفكار والأسماء تعاود الظهور في أماكن متعددة من الكتاب مما يضعنا أمام لوحة أشبه بلوحات الأرابيسك حيث تتكرر الموضوعات وتتماسك لتقدّم لنا فكرة كاملة عمّا يراه الكاتب.

فالكتاب يعكس رأي مؤلّفه بخصوص العديد من المسائل النّقدية، أدبيّة كانت أم فلسفيّة أم غير ذلك، لذا فهو يقدّم لنا مادة غنيّة للدّراسة والمناقشة والنقد.

يبدو أن كتابا بعنوان قصر الكتب يعد بالعظمة والرهبة. بدلاً من ذلك، يصف مترجمها مجموعته المكونة من تسع مقالات لطيفة على أنها «شكل من أشكال الحجة» هي: (موطن الشعراء)، (الانتظار والأبديّة)، (الرّحيل)، (الحياة الخاصة)، (كتابة الحب، أيضاً....)، (نصف ساعة عند طبيب الأسنان)، (اللامكتمل)، (أما زال لديّ شيء آخر أقوله؟)، (لكي تكون محبوباً).

«قصر الكتب» هو حصيلة قراءات متنوعة رافقتها ملاحظات مهمة حول الكتب التي طلبت منه دار النشر أن يبدي رأيه فيها، ويعكس فيها موقفه بخصوص العديد من المسائل الادبية والفلسفية والفنية اذ نجده يتناولها باسلوب شيق وممتع. يكشف لنا قصر الكتب مدى فطنة المؤلف التي تأخذ سعة اطلاع صاحبه، ووفرة المعلومات وسهولة الطرح ومتعته الى القيام برحلة ممتعة من مارسيل بروست الى البير كامو، ومن بودلير الى فرجينيا وولف، ومن بوكاشيو مرورا بصموئيل بيكيت وموريس بلانشو، ولا ينسى ان يمر بفلوبير وجيل دولوز وجورج صاند وعشرات غيرهم، نستكشف من خلالهم كيف نقرأ الكتب ولماذا نقرأها؟ كتاب خليط ممتع بين السيرة الذاتية والنقد الادبي والفني.

أعلى